عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-23-2011, 03:54 AM
الصورة الرمزية الصحفي الطائر
الصحفي الطائر الصحفي الطائر غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 3,060
افتراضي

 

بناءًا على ما تم نشره في المقال السابق والذي تطرق إلى الأسرة والطفل ذوي الإحتياجات الخاصة، حيث أن الأبحاث بينت إن إنجاب طفل ذي إحتياجات خاصة له إنعكاسات كثيرة على الأسرة فمن اللحظة التي يعرف الأهل بإعاقة الطفل يبدأ مشوار جديد في حياتهم ويعايشون نقطة تحول تترافق مع مرورهم بعده مراحل ولعل أهمها بل وأصعبها المرحلة الأولى حين يعلمون إن إبنهم يعاني من إعاقة ما ، فوقع الخبر الأولي يترك بصمة في ذاكرة الأسرة لا تنسى وذلك إن مشاعر الفرح من الحمل والشوق وإنتظار المولود تتحول رأسًا على عقب إلى مشاعر يصعب بعض الأحيان مواجهتها ومن المؤكد إنها من أصعب المراحل خاصة إن حياة الوالدين والأسرة بأكملها سوف تتبدل وتتغير .وغالبًا ما تواجه أسر الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة الكثير من المشكلات الخاصة أثناء محاولتها التكيف والتعايش مع وجود هؤلاء الأطفال، وبالتالي فإن هذه الأسر تكون عرضة للضغوطات النفسية والإجتماعية أكثر من غيرها .
فمن خلال ردود الأفعال التي تظهر عند الوالدين كالإتجاه السلبي أو الرافض ،الشعور بالصدمة والنكران، الغضب والشعور بالذنب ،الإسقاط ،الحيرة والإرتباك ،الإهمال ،التبرير والبحث عن البدائل ...نرى كيف المعاناة التي تمر بها الأسرة وما يؤدي إلى الإرتباك وعدم الإسقرار... فكيف إذا يمكن أن نتوقع ردة فعل المجتمع المحيط ؟ّ! .
إن وجود طفل معاق في العائلة كان يُعتبر ، منذ القدم ، بمثابة مأساة عائلية محرجة ، إذ كان الأهل حينذاك يتركون طفلهم في المنزل حتى لا يراه الآخرون . لكن في يومنا الحاضر وبسبب الجهود الكبيرة المكثفة التي يبذلها الأهل ، أصبحت الحياة الإجتماعية أكثر إنفتاحًا وتقبلاً للطفل ذوي الإحتياجات الخاصة كفرد وعضو في العائلة . وبتنا نقابل هؤلاء الأطفال مع عائلاتهم في الأسواق ، الحارة ، الحدائق وغيرها .
وهذه تعتبر مشكلة إجتماعية تؤرق المجتمع وتهدد أمنه وإستقراره لأن مثل هذا الشخص إذا لم يجد الرعاية المناسبة قد يشكل خطرًا على نفسه وأسرته ومجتمعه ، فقد يكون مصدرًا للشر والإجرام أو قد يُستغل من الآخرين .
مهما كانت الأسباب فإن هؤلاء الأطفال كغيرهم من الأطفال يحتاجون إلى مساعدتنا تماما لتنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية واللغوية. وكل يوم يأتي أمل جديد يمكن هذه الفئة من العيش بسعادة ونجاح في مجتمع لا يفرق بينه وبين باقي الأطفال.
إن مسؤولية تنشئة مثل هذه الفئة من الأطفال لا تقع على عاتق الأسرة وحدها، بل يلعب المجتمع دوراً كبيراً في مساعدة الأسرة على تخطي مثل هذه الأزمات والعثرات ليصل بها إلى بر الأمان. إن أولى الأدوار تبدأ من الفريق الطبي (الأطباء، الممرضين، الأخصائي الاجتماعي وغيرهم من الخدمات المساندة) وذلك من خلال نقل الخبر بطريقة مدروسة وتوضيح جميع النواحي عن الحالة وأساليب التعامل معها والتي يمكن أن تبث فيهم الأمل وتساعدهم على التعامل مع الطفل ليعيش حياة كريمة في مجتمع يفهم مشاعره ومشاكله. ومن أهم النصائح التي تعطى للأسرة حول أساليب التعامل مع هذه الفئة من الأطفال هو البدء معهم في سن مبكرة. فالتدخل المبكر وتدريب الطفل من خلال المدرسة والأنشطة الترفيهية المتكررة إضافة إلى الحنان والحب سوف يساعد الطفل على تنمية مهاراته الاجتماعية والعاطفية واللغوية.
ويشير الباحثين إلى أن الطفل ذي الإحتياجات الخاصة بجميع الحالات يحتاج إلى اللمس والحنان، والنظر في عينيه، والابتسامة في وجهه، وإعطائه المزيد من المحبة، والتحدث إليه وقراءة القصص له واللعب معه وتشجيعه على إكتشاف الأشياء وكيفية استعمالها، ومساعدته على التعبير ووصف كل ما تراه عيناه. على الأهل ملاحظة قدرات الطفل محاولين تنميتها، وتشجيعه على تكوين علاقات اجتماعية مع أطفال العائلة أو الحي أو المدرسة حيث إن الأطفال الصغار يتعلمون الدروس المهمة مع بعضهم البعض وخاصة النواحي الاجتماعية.

إن التدريب على المهارات الإجتماعية يلعب دورًا بأهمية دور المهارات الدراسية ذاتها إذ إن بعض الأطفال ذوي يفتقرون إلى المهارات المناسبة التي تجعل أقرانهم يتقبلونهم بصورة إيجابية، وبالتالي المطلوب تحديد هذه المهارات بدقة وتعليمها للأطفال .
إن التعليم الإجتماعي يوفر مهارات تعاونية ، مثل كيفية إستخدام الألعاب بطريقة تعاونية جماعية ويؤمن تحسين العلاقات الإنسانية بين الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة وبين رفاقهم العاديين. إن فريق الرعاية الإجتماعية والتأهيلية لهذا الطفل يشمل الأهل ، الأقارب ، الأصدقاء ، والمعلمين : إذ يتوجب على أعضاء هذا الفريق أن يتمتعوا بسمات الدفء والمرونة والنضج والموضوعية وضبط النفس والعلاقات الشخصية الإيجابية . وإذا حصل أي خلل في إشتراك أحد الأعضاء هذا يؤثر ويؤدي إلى تراجع ولو بسيط عند الطفل ذي الإحتياجات الخاصة.
وعليه فإن الوضع الإجتماعي والإقتصادي والثقافي للأهالي يحتل مكانًا هامًا في مسار التأهيل والرعاية لهذا الطفل. فالعائلات الفقيرة والمعدومة والمهمشة إجتماعيًا لا تدرك كيفية وأهمية المساهمة في تربية أطفالهم ذوي الإحتياجات الخاصة . إذ يصاب الأهل بالإحباط والتعب والإنهاك بسبب فشلهم في حل مشاكل طفلهم وإستسلامهم للأمر الواقع .
وفي جميع الحالات يجب إشراك الجهات الرسمية وغير الحكومية في رعاية هذا الطفل كالمؤسسات الدينية ، ومؤسسات الدعم الإجتماعي ، والمنظمات الصحية والإجتماعية، وجمعيات حماية الأطفال وغيرها .
وعليه أرى أن أهمية التواصل والمتابعة والتواصل ما بين أولياء أمور الأطفال والمدرسة ومشاركتهم في جميع البرامج التربوية والتعليمية لأطفالهم شيء أساسي يعود بالفائدة الأساسية على هذا الطفل ذي الإحتياجات الخاصة .
من خلال عملي في هذا الحقل والذي أعيشه بشكل يومي وأصادفه بواقعنا، ينتابني شعور نفسي صعب أليم صارم في كيفية معاملة مجتمعنا مع هؤلاء الأطفال إنه لشيء مؤسف وعار علينا،لذا وجدت من الضروري أن أخط بعض الكلمات في هذه القضية والحالة المستعصية التي لا بُد أن نحيطها بالتفاؤل والأمال لتغيير هذا الوضع الصعب المتدني فعلاً لنبني بيئة دافئة حنونة مُشجعة ليشعر هذا الطفل بالأمان .
يزعجني ويقلقني هذا الموضوع عندما أدخل في تفاصيله وفي تركيباته فيجب ألا يقتصر تعريف الشخص ذي الإحتياجات الخاصة والحديث عن معاناته على أساس أنه إنسان درجة ثانية أو على أساس أنه إنسان عاجز بدون فائدة وبدون طموح أو على أنه عالة على المجتمع فالمشكلة لا تكمن فيه بل تكمن المشكلة في النظرة لهذا الشخص. فبدل أن تحاول الأسرة زرع الثقة والطموح والأمل في نفس الطفل تحاول تحطيم طموحه على صخور الواقع الأليم وعرقلة حياته أكثر وأكثر. يتبع...

 

__________________
رد مع اقتباس