عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 06-09-2009, 01:24 PM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي

 

ويعتبر السلوكيون أن الطريقة السمعية- البصرية في التدريس (Audio-Lingual Method ) مستخلصة من نظريتهم. والمعروف أن اسم هذه الطريقة مرتبط بالأسلوب المتبع بالتدريس والذي بلغ ذروته في الستينيات، ومن مؤيدي هذه الطريقة لادو(Lado,1964) حيث تعرّض لها في كتابه " تعليم اللغة ". ويؤكد لادو تعليم اللغة الدارجة بالحوار والتمارين، وفي الحوار يكون منضبطاً باستعمال عددٍ محدّدٍ من المفردات الجديدة، حيث يستمع التلاميذ إلى الحوار كله أو على شكل أجزاء أو عن طريق القراءة من قبل المعلّم.
كما أن هذه النظرية كانت موضوعاً للتحليل والنقد، حيث إنَّ الفكرة المركزية في التعلم موجهة من الخارج، وذلك بالتعامل مع سلوك المتعلم، وقد رفضت هذه من قبل الفطريين الذين يعتبرون أن المتعلمين أنفسهم يضبطون تعلم اللغة. إلس (Ellis,p.27)
ومن المنتقدين لهذه النظرية فيفيان كوك(Vivian Cook,1991) الذي يرى أن كثيراً من المدرسين قد اتبعوا هذه الطريقة لأسباب منها:
- أنها تزود المدرس بأنموذج محددٍ يستخدمه، بالإضافة إلى معرفة المعلم ما سوف يعمله مسبقاً. وتقع هذه النظرية تحت " نظرية تشكيل العادة " Habit Formation Theory" وهذه الطريقة غير مناسبةٍ لتدريس القواعد وبعض الجوانب التي تتعلق باستعمالات اللغة الأخرى كما أنها تمتاز بعدم القدرة أو الكفاية في تشكيل العادة كطريقة للتدريس.
ويضيف إلس(Ellis,1992) في مجال نقده لهذه الطريقة فيقول:
" لقد فقدت هذه النظرية شعبيَّتها في الولايات المتحدة، لكثرة ما دار ضدها من مناقشات حادة. ولما حصله التلاميذ من نتائج مخيبة للآمال. لأن هذه الطريقة تحتاج إلى مدرسين من ذوي الكفايات العالية، وهم في الواقع قلةٌ وغير متوافرين. كذلك وجد الدارسون أن هذا الأُنموذج التدريبي ممل ويفقد التلاميذ اهتمامهم وانتباهم، وحتى المتحمِّسين منهم. إنّ نظريات السلوكيين والفطريين في التعلّم، يلعب فيها الدارس دوراً فعّالاً فيما يدرسه ويتعلّمه منها. وأمام هذه المناقشات بدأ بناء الطريقة السمعية- البصرية ينهار، وبالأخصّ فيما يتعلّق بالاعتقاد بتراجع ضبط عملية التعلم من الخارج. وقال ديكن (Dakin,1973):
" ومع أن المدرس يمكن أن يضبط المختبرات التي يمكن أن تعرض على المتعلم إلاّ أنّ المتعلّم هو الذي يختار ما يمكن تعلمه منها". إلس(Ellis,1992).
ويرى الباحث أنه على الرغم من الانتقادات الحادة التي واجهت هذه النظرية إلا أنه إذا أحسن استغلالها، وتوافر لها المدرّسون المخلصون، يمكن الاستفادة منها في تعليم اللغة العربية.
وفي مدارسنا يمضي الطالب جميع المراحل الدراسية بالتعرض لمهارتي القراءة والكتابة، مع العلم أنه بأمس الحاجة إلى مهارتي الاستماع والكلام. إننا نادراً ما نجد مدرساً يطبق في تعليم دروس اللغة العربية أو غيرها مهارتي الاستماع أو الكلام. ومن هنا نلاحظ أن بعض طلابنا حتى المختصين بدراسة اللغات الأجنبية، يتخرجون من الجامعات وهم ما زالوا يعانون من الضعف في هاتين المهارتين وحتى في لغتهم الأم.
إن الطريقة الحديثة في تعليم اللغات تركِّز تركيزاً شديداً على هاتين المهارتين ومهارة الكلام أو المحادثة بشكل خاص، وإلا ما الفائدة من تعلم لغة نعرف الكثير من قواعدها وأدبها ولا نستطيع التحدث بها بطلاقة.
يرى فرانك مارشند(Franc Marchand, 1970) أنه ينبغي تحقيق هدفين من خلال دروس المحادثة، وهما أن يحاول الدارس أن يتدرب على الكلام ما أمكنه ذلك، وأن يتدرب منذ البداية على الكلام بالشكل الأفضل. أما دور المدرس فيكون التشجيع ويلي ذلك مرحلة التصحيح للخطأ حال وقوعه، وعلى المدرس عند التصحيح أن يتسم باللين واللطف، وفي المرحلة التالية يفسح المجال للدارس أن يصحح خطأه بنفسه. ومن هنا يمكننا القول إن أي تدريس في مجال اللغات لا يعطي الفرصة لتنمية مهارة التعلم الذاتي، هو تعلم ناقص لا بل فاشل، وإن التدريس الفعّال هو الذي يزود الدارسين بالمهارات اللازمة لهم في هذا العصر عصر التفجر المعرفي وتدفق المعلومات والانتشار السريع للثقافات على اختلافها، والتي لا يلم بها أو يدركها مخلوق. لذلك فإن مهارة التعلم الذاتي المستمر أمر يفرضه الواقع ومقتضيات العصر، والتعلم اليوم أصبح خارج أسوار المدرسة أكثر منه في داخلها.
واليوم هناك القليل من علماء النفس واللغويين ممن يؤيدون سكنر تأييداً كاملاً، إلا أنّ بعض علماء النفس استفادوا من نظريته وحاولوا توسيع قاعدتها لتكون مقبولة أكثر وذلك بتعديلها، وأطلقوا عليها نظرية الوسيط ( Mediation Theory). وطورها بافلوف بدوره إلى ما يعرف بنظرية التواصل(Contiguity Theory) والمقصود بذلك أن يكون المثير اللغوي كلمة أو جملةً يستلزم استجابة غير مباشرةٍ وهو ما يطلق عليه المثير الذاتي ( Self- Stimulus) وعلى أيِّ حالٍ فقد تركت مدرسة علم النفس السلوكي عدداً من الأسئلة التي لم تستطع الإجابة عنها بخصوص اللغة. براون (Brown, 1987) وكذلك باندورا (Bandura,1977): " فقد انتقدت سكنر لفشله في أن يتعامل مع المثير الحسي للناس ومع قدرات التنظيم الذاتي".
وقد استعملت هذه المدرسة استراتيجية الحوافز والمكافآت الخارجية لزيادة الدافعية للتعلم. وقد نجحت بشكل محدود، إلاّ أنّه مع تقدّم العلم في هذه الأيام فقد حدثت تطوراتٌ كبيرة فيما يخص الدماغ والأعصاب، مما يشجع على دراسات جديدةٍ. فقد دلّت نتائج أبحاث ديسيفالي وزملائه (Decivalle and Others,1991) وأبحاث كوهن (kuhn,1993 ):
أن هناك فرقاً كبيراً بين استجابة الدماغ البشري للمكافآت على الأفعال البسيطة واستجابته عليها لحلّ المشكلات المعقدة. فالمكافآت قصيرة المدى يمكن أن تثير استجابة مادية وجسمية بسيطة وأما القضايا الصعبة فإن المكافآت المادية لا تنفع بل قد تكون ذات أثر ضار ومعاكس.
إن جميع علماء النفس يناقشون الحوافز والمكافآت والسلوك من الناحية الظاهرية، بعكس علماء الأعصاب الذين ينظرون إلى الموضوع من الداخل ويتساءلون: ماذا يُجرَى بالدماغ؟ فهم يرون أن الدماغ ذاتي التشغيل فيما يتعلق بالمكافآت. أي أنّ لديه جهاز مكافآت داخلياً يثيب الشخص على النجاح ويعاقبه على الفشل. وتسمى المكافآت التي يصرفها الدماغ " المهدّئات". وتنتج هذه المهدئات أثراً يشبه أثر المورفين أو الكحول أو النيكوتين أو الهيروئين أو الكوكائين. ويقع جهاز المكافآت وسط الدماغ ويسمى جهاز مكافآت ما تحت السرير البصري (Hypothalamus Reward System) حيث يوجد فيه قسم لإنتاج المواد التي تشعرك بالابتهاج أو اللذة عند النجاح. (Al- Harithi, 2001).
كما دلت بحوث نيل((Neilعلى أن الحوافز المادية قد تفيد في كثير من الأحوال لكنها ليست فعالة مع جميع التلاميذ(Jansen, 1998).
أما مارينا برت وهايدي دوليه (Burt and Heidy Dulay,1977) فتريان أن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل تقوم بدورٍ مهمٍّ في تعلم اللغة:
" إن البيئة الطبيعية للغة تكون ذات أهمية إضافية حينما يكون تركيز المتكلم على التواصل اللغوي لا على اللغة نفسها. ففي الحديث بين شخصين تكون المحادثة طبيعية، وكذلك ينساب تبادل الألفاظ بشكل طبيعي. إن المشاركين في تبادل الحديث يهتمون بتبادل المعلومات والأفكار، وفي الوقت نفسه يستعملون أبنية اللغة، ويحدث ذلك علمياً دون وعي أو إدراك لبناء الجمل الذي يستعملونه".
إن الكاتبتين مصيبتان فيما ذهبتا إليه، ويؤكد بنجامين وورف Benjamin and Whorf,1956)) ذلك بقولهما: " إن التراكيب والعلاقة التي نستعملها لكي نفهم العالم، تأتي من داخل لغتنا الخاصة، وهكذا فإن المتكلمين للغات مختلفةٍ، يفهمون بطرق مختلفةٍ، وعليه فإن اكتساب اللغة، يعني التعلم كيف نفكِّر، وليس كيف نتكلم".
وتقول مارينا بيرت وهايدي دوليه(Burt& Heidi Dulay1981):
لقد حاولنا أن نضع المتعلم والبيئة معاً لتقديم حقائق حول تعلم اللغة تكون قابلة للتطبيق في الغالب، وتوصلتا إلى النتائج الآتية:

1- البيئة الطبيعية ضرورية للاكتساب الأمثل للغة.
2- يجب أن يكون الاتِّصال اللغوي بمستوى حصيلة الطفل اللغوية.
3- أن تكون اللغة المستعملة مفهومة للمتعلّم.


ولعالم الاجتماع العربي ابن خلدون رأي في تعليم اللغة، فقد قال في معرض كلامه عن انتقال الألسن واللغات من جيلٍ إلى جيل، وذلك في فصلٍ عنوانه: "إنّ اللغة ملكة صناعية":
"فالمتكلم من العرب حيث كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطبتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها فيُلَقَّنُها أولاً، ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك، ثم لا يزال سماعه لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفةً راسخةً ويكون كأحدهم، هكذا تصيرت الألسن واللغات من جيلٍ إلى جيل وتعلمها العجم والأطفال.
وهذا هو معنى ما تقوله العامة من أن اللغة للعرب بالطبع أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم ولم يأخذوها عن غيرهم. ثم إنه لمّا فسدت هذه الملكة لمضر بمخالطتهم الأعاجم وسبب فسادهم أن الناشئ من الجيل صار يسمع في العبارة عن المقاصد كيفيات أخرى" .(المقدمة،320).
ويقول في مقام آخر:" وكلٌّ منهم متوصل بلغته إلى تأدية مقصوده، والإبانة عما في نفسه، وهذا معنى اللسان واللغة، وفقدان الإعراب ليس بضائرٍ لهم، كما قلناه في لغة العرب لهذا العهد، وأما أنها أبعد عن اللسان الأول من لغة هذا الجيل فلأن البعد عن اللسان إنما هو بمخالطة العجمة..".(المقدمة، ص322).
يرى ابن خلدون أنَّ الملكة صفة راسخةٌ، ولا تتحقق وتحصل هذه الصفة إلا بتكرار الأفعال. ومفهوم الملكة عند ابن خلدون هو قدرة المتكلم على امتلاك ناصية الكلام. ومن قراءة هذا النص لابن خلدون ندرك أن آراءَه سليمة وترتكز على قواعد علمية صحيحة، ولا تبتعد كثيراً عن النظريات الحديثة.
ففي النص الأول عدة عوامل وتعتبر أساسية في تعلم اللغة وهي:
- العامل الأول: التكرار وهو مهم في اكتساب اللغة وفهم تراكيبها ومفرداتها. ويجب أن يتم التكرار في مواقف طبيعية، وفي مواقف حيوية، وأن يبنى على الفهم والإدراك للعلاقات والنتائج وإلا أصبح من دون الفهم مهارةً آلية لا تساعد صاحبها على مواجهة المواقف الجديدة.
- العامل الثاني: البيئة الصالحة لتعلم لغة ما، هي البيئة الطبيعية أي الاختلاط بأصحاب تلك اللغة الفصيحة حتى يستقيم اللسان.
- العامل الثالث: الاختلاط بالأعاجم يفسد اللغة، لذلك اشترط ابن خلدون أخذ اللغة بالاعتماد على التراث اللغوي والاختلاط بأهل اللغة وكان يقصد العرب الفصحاء.
- العامل الرابع: وجوب التقليد والاقتباس في بدايات تعلم اللغة، ثم تأتي مرحلة الاعتماد على ما وعاه وحفظه واستعماله في مواقف جديدة.
وفي النص الثاني يقرر ابن خلدون حقيقة علمية أخرى، وهي أن اللغة قد يصيبها التغيير، وتتبدل وتتطور تبدل الكائن الحي وتطوره سلباً أو إيجاباً، وأن العوامل الاجتماعية تتأثر بالبيئة وبالتالي تكون عاملاً من عوامل الصراع بين اللغة ومحيطها فإما أن تنتصر اللغة أو تنهزم.
وهناك عوامل وردت في المقدمة، لا مجال لذكرها. ومن مطالعة آراء ابن خلدون نلاحظ التوافق العجيب بين رؤيته التربوية للغة ودورها وأسس تعليمها ومدى مطابقتها للأسس النفسية والتربوية والنظريات الحديثة. فنظرية ابن خلدون في اكتساب اللغة تأخذ موقعاً متميزاً بين معظم النظريات، فقد أتى مقارباً لبورهوس سكنر وجون واطسون من السلوكيين، وفيجوتسكي من التفاعليين، وميللر ونعوم تشومسكي من العقليين وبقية أنصار الاتجاه التوليدي التحويلي.
كما أثبتت الدراسات التي قامت بها كارول (Caroll,1967) على (2784) طالباً يدرسون اللغات الأجنبية بالجامعات الأمريكية، وهم يدرسون اللغات الفرنسية والألمانية والروسية والإسبانية. تقدموا جميعهم لامتحان الكفاءة الخاص بجمعية اللغات الأجنبية الحديثة (M L A ) وتشير الدراسة إلى أن هناك علاقةً قويّةً بين الوقت الذي قضوه ببيئة البلد المضيف في الخارج ونتيجة الامتحان. أي أنّ الأشخاص الذين درسوا سنة أكثر من غيرهم كان تحصيلهم العلمي أفضل، من الذين أمضوا عطلة الصيف في الخارج سياحاً وضمن فصولٍ معدّةٍ لذلك.
وتوصل ريتشارد تكر(Tucker, 1977) إلى النتائج نفسها التي توصلت إليها كارول(Caroll)، وقد كتب تكر تقريراً عن دراسة أجريت حول تدريس اللغة الإنجليزية بالفلبين، " أشارت النتائج إلى أنّ الكفاءة باللغة الإنجليزية تعود مباشرة إلى استعمال اللغة الإنجليزية وسيطاً في التعليم" لعدة سنوات. ويؤكد برستول (Burstall,1975):" أن الاتصال بثقافةٍ أجنبيةٍ يبدو أنه ينمّي رغبة كبيرة لدراسة هذه اللغة الأجنبية، وذلك عن طريق الزيارات أو غيرها".
أمّا كراشن (Krashen,1981) فيقول: " إنّ هدفنا أن نضع التلميذ بالمكان الذي يساعد في تحسين لغته معتمداً على نفسه وذلك بوضعه ببيئةٍ طبيعيةٍ لأننا لا نستطيع أو نتوقع أن نحصّل مستوىً جيداً من الكفاءة في الفصل وحده".
ولذلك يلاحظ أن الطلاب الذين يدرسون في البلاد الأجنبية، ويعيشون مع عائلات تلك البلد يكونون أسرع من غيرهم في إتقان اللغة.

 

رد مع اقتباس