عملية وضع البرامج عملية متكاملة و ديناميكية :
كما اتفقنا أن الطفل عبارة عن كائن متكامل و أن مهاراته و قدراته الشخصية يؤثر كل منها في الآخر يجب أن نتفق علي المبدأ الثاني و هو أن عملية التدريس للطفل عملية متكاملة فبرامج الطفل أو مجالات التدريس هي الأخرى متكاملة و يكمل كل منها الآخر و يؤثر كل منها في الآخر .. فالطفل أثناء أداءه لبرامج الرعاية الذاتية يستخدم مهارات حركية ، كما أن أداءه للأنشطة الحركية يرتبط كثيرا بالمجالين النفسي و الاجتماعي لدي الطفل .. و لقد أثبتت العديد من الدراسات أن التقدم في الأداء الحركي و التوقيعي يزيد من مستوي الأداء الاجتماعي للأطفال مع زملائهم داخل الفصل .. لذلك ففي المثال السابق يجب علي المدرس أن يضع برامج في مجالات التعليم الأخرى ( مهارات الحياة اليومية ، التخاطب ، الأنشطة الرياضية ، … مثلا ) تراعي و تخدم برامجه مجالين القصور الأساسيين المطلوب التركيز عليهما ( التركيز ، التواصل ) و أن تعمل علي تنميتهما أثناء تطبيق هذه الأنشطة .. وفي المثال الآخر يجب علي المدرس وضع برامج لتنمية القدرة الحركية في برامج المجال الحركي للطفل الذي يعاني من قصور في القدرة الحركية ليده .. أو مثلا يجب أن يراعي المدرس إكسابه المهارات الاجتماعية المطلوبة لطفل منطو عند ممارسته النشاط للعبة الرياضية التي يحبها للتغلب علي الانعزال اجتماعيا أو الانطواء ..
يبقي السؤال .. أي المجالات قد يؤثر بالسلب أو الإيجاب بشكل أكبر علي باقي المجالات الأخرى ؟ و من ثم أي المجالات يجب أ ن أراعيه بشكل أكبر عند وضع البرامج في المجالات الأخرى ؟ يكون الرد أن احتياجات و مهارات الطفل الفعلية هي التي تحدد أي المجالات يحتاج إلي التركيز أكثر من المجالات الأخرى ..
1. تحديد و صياغة الأهداف بعيدة المدي :
و يمكن صياغة بنود المقياس أو القائمة الارتقائية التي تم اختيارها للتدريس في صورة صياغات أكثر عمومية ، مثل :
§ زيادة الحصيلة اللغوية .
§ زيادة مدة التركيز.
§ التمييز بين الألوان الأساسية .
§ المشاركة مع الآخرين .
§ إتباع التعليمات .
§ التفريق بين الطيور و الحيوانات .
§ تحسين التوافق العضلي العصبي .
§ تقليد حركات الآخرين .
§ كتابة 10 كلمات .
و اعتبارها " أهداف بعيدة المدى " تتحقق علي مدي معين سنوي أو نصف سنوي بحيث تصف هذه الأهداف ما هو متوقع من الطفل أن ينجزه خلال زمن محدد .. مع الوضع في الاعتبار أن هذه الأهداف في حد ذاتها ليست شيئا تفصيليا كافيا يمكن استخدامه كخطة تعليمية متكاملة ، كما أنها لا تعطينا هذا التفصيل حيث أنه يخضع لعوامل أخري سيأتي ذكرها فيما بعد ، و لكن هذه الأهداف التعليمية تحدد لنا الاحتياجات التعليمية الأساسية التي سيبني عليها الأهداف التفصيلية للخطة ..
2. تحديد الأهداف الجزئية (قريبة المدى) :
بعد أن يضع المدرس الأهداف بعيدة المدي يجد في الغالب أن هذه الأهداف عامة و مجملة في صياغتها ، كما أن هذه الأهداف تكون كبيرة الحجم و بعيدة المدي .. لذلك يجد المدرس أنه من غير الواقعي أو المنطقي تنفيذ هذا الهدف مع الطفل دفعة واحدة ( نظرا لما تعرفنا عليه فيما سبق من سمات و خصائص للأفراد المعاقين ذهنيا ) .. إلا أنه يمكن للطفل أن يحقق هذه الأهداف ( بعيد المدي ) في حالة تجزئتها إلي أهداف جزئية صغيرة مرحلية ( علي فترات قصيرة من الوقت ) تعمل في نهاية المدي الزمني الإجمالي للهدف بعيد المدي علي تحقيق هذا الهدف " بعيد المدي " من خلال إنجاز الطفل للأهداف الجزئية المرحلية "قريبة المدي "..
مثال : عند تدريس المدرس لهدف مثل أن يتعرف الطفل علي مفهوم الخشن و الناعم .. يكتشف المدرس أن تدريس مثل هذه المفاهيم يعتبر هدف مجمل و مركب كما أنه هدف كبير الحجم بالنسبة للطفل لا يمكن تدريسه أو إكتسابه بصورته المجملة كبيرة الحجم الحالية ( خاصة بالنسبة لفرد معاق ) .. ويجد أنه من الواجب عليه أن يعمل علي تجزئة مثل هذا الهدف المركب إلي أهداف جزئية مرحلي قريبة المدي يسهل علي المدرس تدريسها و يسهل علي الطفل إكتسابها .. فيجزء الهدف إلي أهداف أصعر مثل :
· أن يسمي 3 أشياء ناعمة ، أن يسمي 3 أشياء خشنة .
· أن يسمي 6 أشياء ناعمة ، أن يسمي 6 أشياء خشنة .
· أن يصف ملمس الأشياء الناعمة ، أن يصف ملمس الأشياء الخشنة .
· أن يفرق بين شيئين ( أحدهما ساخن و الآخر بارد ) لم يراهما من قبل بصفتهما ( ساخن ، بارد ) .
3. تصميم الأنشطة التعليمية :
بعد تحديد الأهداف الإجمالية بعيدة المدى و تجزئتها إلي أهداف جزئية قريبة المدي .. يجد المدرس أنه حتي الآن مازالت الأهداف التي تم إختيارها للتدريس سواء في حالتها الإجمالية أو حتي الجزئية للتدريس بشكل مباشر .. و إنما يجب صياغتها في صورة أدائية فعلية يمكن أن يؤديها الطفل و تؤدي به في النهاية إلي التعلم و إكتساب المهارة المراد إكسابه إياها ..
فهدف مثل أن يتعرف الطفل علي ثلاثة أنواع من أنواع الحيوانات مثلا .. هدف لا يمكن تدرسيه بشكل مباشر .. فالهدف لم يوضح ما سيفعله الطفل بشكل كامل لكي يتعرف علي هذا الأنواع الثلاثة من الحيوانات .. كما أنه لم يعبر عن الظروف التعليمية التي سيوضع فيها الطفل و التي بدونها لا يعتبر إنجاز الطفل للهدف إنجازا كاملا .. كما أن هذه الأهداف لم تعبر عن الأدوات التي سيتم إستخدامها في تطبيق هذه الأهداف .. لذلك يجد المدرس أنه يجب عليه صياغة الأهداف الجزئية يف صورة أدائية ( في صورة أنشطة تعليمية ) يقوم بها الطفل لإتمام عملية التعلم ..
مثال آخر عند تعليم المدرس للطفل لمفهوم الخشن و الناعم الذي تحدثنا عنه في صياغة الأهداف الجزئية " قريبة المدي " .. نجد أن المدرس لا يستطيع أن يعلم الطفل المعاق ذهنيا مثل هذه المفاهيم بطريقة مباشرة عن طريق عرض شيئين من الأشياء أحدهما خشنا و الآخر ناعما قائلا للطفل " دي هي الحاجات الخشنة .. ، و دي هي الحاجات الناعمة .. ، المس ، شايف الفرق " .. مثلما يحدث عند التدريس للأطفال الأسوياء .. فهذه الطريقة و إن كانت مباشرة و تصلح لتعليم الأسوياء إلا أنها لا تصلح لتعليم الأفراد المعاقين ذهنيا ..
ففي حين يتمكنالفرد السوي عن طريق استخدام أمر لفظي واحد و تعرض مباشر للخبرة أن يتعلم المفاهيم التي يريد المدرس إكسابها له حيث تمكنه قدراته العقلية من الرصد المباشر للخبرة ، كما تتضافر هذه القدرات و تتفاعل مع بعضها البعض لتجزئة الواقع الفعلي للخبرة .. فتعمل كل مهارة عقلية علي تحليل واقع الخبرة من جانبها و تمييزه بميزة معينة و إعطاءه الأكواد العقلية التي ستميزه فيما بعد مدي الحياة بحيث تتعرفه أينما وجد و بأي شكل وجد .. فتعمل المناطق الحسية في المخ مثلا علي تكوين إشارات تميز الخبرة الجديدة ، و تعمل القدرة علي التحليل علي التعرف علي مكونات الخبرة ، و تعمل القدرة علي المقارنة علي التعرف علي الخبرة و مقارنتها بما يقاربها من خبرات سابقة ، و تعمل القدرة علي التصنيف علي تصنيف الخبرة الجديدة تحت بند ملائم من الخبرات و تعمل القدرة علي الإستنتاج في النهاية علي تعميم الخبرة علي كل المواقف المشابهة .. لا يمكن للقدرات العقلية للفرد المعاق ذهنا العمل بهذا التناغم و هذه الكفاءة و التكامل لاكتساب الخبرة .. لذلك يجد المدرس نفسه مضطرا إلي مخاطبة كل قدرة معرفية علي حدا ، موفرا لها الخبرات و الأنشطة التي تجعلها تكون خبراتها بما يتلاءم مع ما بها من ضعف ..
فنجد مثلا أنه إذا أراد المدرس أن يدرس مفاهيم مثل المفهومين اللآذين تحدثنا عنهما لفرد معاق ذهنيا قد يجد المدرس أن عليه أن يحاول أن يغطي كل جوانب الخبرة عن طريق أنشطة مختلفة ..
فنجد أنه يجب عليه أن يجعل الطفل :
يتعرف علي الأشياء الخشنة فقط أولا .. فيجعله :
§ يلمس الأشياء الخشنة بحيث يتعرف عليها و أن يعبر عن إحساسه باختلاف ملمس هذه الأشياء الخشنة عن غيرها من الأشياء .
يصنف الأشياء الخشنة مع بعضها البعض بحيث يتعرف علي المظاهر و السمات التي تميز هذه الأشياء الخشنة عن غيرها من الأشياء .. فيجعله :
§ يختار الأشياء الخشنة من بين مجموعة من الأشياء .
يعمم الخبرة .. فيجعله :
§ يذكر أسماء الأشياء الخشنة في البيئة المحيطة .
يتعرف علي الأشياء الناعمة فقط .. فيجعله :
§ يلمس الأشياء الناعمة بحيث يتعرف عليها و أن يعبر عن إحساسه باختلاف ملمس هذه الأشياء الناعمة عن غيرها من الأشياء .
يصنف الأشياء الناعمة مع بعضها البعض بحيث يتعرف علي المظاهر و السمات التي تميز هذه الأشياء الناعمة عن غيرها من الأشياء .. فيجعله :
§ يختار الأشياء الناعمة من بين مجموعة من الأشياء .
يعمم الخبرة .. فيجعله :
§ يذكر أسماء الأشياء الناعمة التي قد تتواجد في البيئة المحيطة .
يفرق بين المفهومين ، و يميز صفة التضاد بينهما .. فيجعله :
§ يفرز الأشياء الناعمة من الأشياء الخشنة كل نوع منها في جانب .
مثال آخر : فإذا كان الهدف بعيد المدى الذي يريد المدرس تدريسه للطفل " أن يميز الألوان الأساسية من بين مجموعة الألوان " .. و الأهداف الجزئية هي أن يتعرف علي اللون الأحمر ، يتعرف علي اللون الأزرق ، يتعرف علي اللون الأخضر .. يمكن لأنشطة المدرس أن تكون كالآتي :
§ أن يتعرف علي اللون الأحمر .
§ أن يسمي اللون الأحمر .
§ أن يختار اللون الأحمر من بين مجموعة من الألوان .
§ أن يتعرف علي اللون الأزرق .
§ أن يسمي اللون الأزرق .
§ أن يختار اللون الأزرق من بين مجموعة من الألوان .
§ أن يتعرف علي اللون الأخضر .
§ أن يسمي اللون الأخضر .
§ أن يختار اللون الأخضر من بين مجموعة من الألوان .
§ أن يفرز مجموعة من المكعبات بالألوان الثلاثة ، كل لون بمفرده من بين مجموعة من المكعبات .
و تأتي أهمية الأنشطة التعليمية في أنها حلقة الوصل الرئيسية بين الواقع النظري لوضع البرامج و التدريس الفعلي لها و للخبرات و المهارات التي تمكن الطفل من إنجاز هذه البرامج .. و يجب علي المدرس أن يعمل علي وضع الأنشطة أو الأهداف التعليمية في تسلسل و تناسق بسيط يراعي قدرات الطفل .. كما يجب عليه أن يبتكر له الأنشطة بحيث تصبح أكثر مناسبة لقدرات كل طفل علي حدا ، و بحيث توصل له المعلومة كأفضل ما يكون .. و تتوقف قدرة المدرس علي تصميم الأنشطة علي العديد من العوامل و لأهمية هذه العملية سنتحدث عنها بالتفصيل في جزء لاحق من هذا الفصل بإذن الله .